الخيانة والغدرإن خيانات النصيريين في العصر الحديث أكثر من أن تُحصى، فهم دائمًا يتقربون من الاستعمار ويتعاونون معه في مقابل الحصول على بعض المكاسب، فعلى سبيل المثال:
تعاون النصيريون مع الاحتلال الفرنسي أثناء انتدابه على سوريا.
وكانوا خير عون لهم على الدولة العثمانية-دولة الخلافة يومئذ- وفي مقابل هذا منح الفرنسيون النصيريين مجموعة من الأراضي نعمت بشبه الاستقلال، وهي التي سميت بجبال العلويين.
وقد فاحت رائحة هذه الخيانة من خلال كلام النصيريين أنفسهم وهم يعترفون بالجميل لفرنسا، وما كان جميلًا، بل ثمن خيانة.
قال محمد أمين غالب النصيريّ:
"إن الأتراك هم الذين حرموا هذه الطائفة من ذلك الاسم (العلويين)، وأطلقوا عليهم اسم النصيريين.. نسبة إلى الجبال التي يسكنونها نكايةً بهم واحتقارًا لهم.
إلا أن الفرنسيين أعادوا لهم هذا الاسم الذي حُرموا منه أكثر من 412 سنة أثناء انتدابهم على سوريا؛ إذ صدر أمر من القومسيرية العليا في بيروت بتاريخ 1/9/1920م بتسمية جبال النصيريين بأراضي العلويين المستقلة"[1].
ومن أشهر رءوس الخونة النصيريين في العصر الحديث رجل يقال له: سلمان المرشد من قرية جوبة برغال شرقي مدينة اللاذقية بسوريا، وكان هذا الرجل قد ادَّعى الألوهية، فآمن به واتبعه كثير من النصيريين..
وقد مثَّل الدور تمثيلًا جيدًا، فكان يلبس ثيابًا فيها أزرار كهربية، ويحمل في جيبه بطارية صغيرة متصلة بالأزرار، فإذا أوصل التيار شعت الأنوار من الأزرار، فيخر له أنصاره ساجدين.
ومن الطريف أن المستشار الفرنسي الذي كان وراء هذه الألوهية المزيفة كان يسجد مع الساجدين، ويخاطب سلمان المرشد بقوله: يا إلهي[2].
وقد استماله الفرنسيون واستخدموه وجعلوا للعلويين نظامًا خاصًّا، فقويت شوكته وتلقب برئيس الشعب العلوي الجبدري الغساني، وعيَّن قضاة، وسنَّ القوانين، وفرض الضرائب على القرى التابعة له، وشكَّل فرقًا خاصة للدفاع سماهم الفدائيين.
وللتعاون الوثيق بينه وبين الاحتلال الفرنسي عندما جلا الفرنسيون عن سوريا تركوا لهذا النصيري وأتباعه من الأسلحة ما أغراهم بالعصيان، فجردت الحكومة السورية آنذاك قوة فتكت ببعض أتباعه واعتقلته مع آخرين، ثم أعدم شنقًا في دمشق عام 1946م[3].
ومنهم النصيري الخبيث يوسف ياسين، والذي طالما سعى في محاربة الدولة العثمانية بخطبه وأشعاره بل وسلاحه.
قال الدكتور سليمان الحلبي:
"لما احتل الإنكليز فلسطين عام 1918م تطوع يوسف ياسين بالفرقة التي شكلها الإنكليز للعمل مع لورنس والملك عبد الله بالحجاز لمحاربة الأتراك باسم الجيش العربي، فكان يوسف ياسين يخطب في الأندية وفي الشباب بالقدس داعيًا إلى الجهاد ضد الأتراك.
وقد نشرت جريدة الكواكب الصادرة في 3/9/1918م بالقاهرة لمراسلها بالقدس واصفًا لحفلة أقيمت في النادي العربي لحث الشباب على التطوع في ذلك الجيش، فقال المراسل: وقف الشاب يوسف ياسين وتكلم بصفته جنديًّا في الجيش العربي ثم أنشد قائلًا:
سنأخذ هذا الحق بالسيف والقنا *** شيب وشبان على ضُمر بلق
وقد أخذ الإنجليز فلسطين فعلًا، ولكن بالخديعة لا بالسيف ولا بالقنا ولا بالضمر البلق، ثم أعطوها لليهود وأقاموا لهم فيها دولة..."[4].
ناهيك عن خيانتهم للأمة الإسلامية بوقوفهم إلى جانب المارونيين النصارى في كثير من الأحداث، سواء في سوريا أو لبنان[5].
وفي سجلات وزارة الخارجية الفرنسية (رقم 3547 وتاريخها 15/6/1936م) وثيقة خطيرة تتضمن عريضة رفعها زعماء الطائفة النصيرية في سوريا إلى رئيس الوزراء الفرنسي يلتمسون فيها عدم جلاء فرنسا عن سوريا.
ويشيدون باليهود الذين جاءوا إلى فلسطين، ويؤلبون فرنسا ضد المسلمين، ووقّع على الوثيقة: سليمان الأسد، ومحمد سليمان الأحمد، ومحمود أغا حديد، وعزيز أغا هواش، وسلمان المرشد، ومحمد بك جنيد، وفيما يلي نص الوثيقة نورده لأهميته:
"دولة ليون بلوم، رئيس الحكومة الفرنسية.. إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني)، ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من التدخل.
وإننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين، وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئًا بالقوة..
ومع ذلك أعلن المسلمون (السنيون) ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود إنكلترا في فلسطين وفرنسا في سورية، إنا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين (السنة).
وكسر الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضمانًا لحريته واستقلاله ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سندًا قويًّا لشعب علوي صديق، قدَّم لفرنسا خدمات عظيمة"[6].
ولم تكن الشيعة النصيرية تكف عن التآمر ضد الدولة العثمانية في محاولة إزالتها، فقد ساهم الزعيم النصيري (الشيخ صالح العلي) في إسقاط الدولة العثمانية عندما قام بقطع الطريق الذي يصل طرطوس بحماة، فكانت خسائر الأتراك كبيرة نتيجة قطع الطريق عليهم، وقام بعقد اتفاقية مع كمال أتاتورك عام 1920م.
وبعد ثورة مشبوهة ضد الفرنسيين استسلم صالح العلي، فعفا عنه الفرنسيون على عكس ما كانوا يفعلونه مع المجاهدين المسلمين[7].
وهكذا كان تاريخهم يشهد بخيانتهم وممالأتهم المستمرة لأعداء الإسلام في الظاهر والباطن.
[1] تاريخ العلويين، ص391.
[2] انظر: إسلام بلا مذاهب، ص309.
[3] انظر: خير الدين الزركلي: الإعلام 3/170.
[4] طائفة النصيرية، ص114، 115.
[5] المرجع السابق ص109.
[6] د. محمد أحمد الخطيب: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ص335، ط. عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض- الطبعة الثانية، 1406هـ/1986م.
[7] أ. محمد عبد الغني النواوي: مؤامرات الدويلات الطائفية ص263، الطبعة الأولى، 1403هـ/ 1983م.
الكاتب: د. عماد علي عبد السميع حسين
المصدر: كتاب (خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية)